عرض بعنوان: التحويل البنكي و إشكالاته
المبحث الأول: الأحكام العامة للتحويل البنكي و اجراءاته
إن التحويل البنكي عملية تقوم أساسا على نقل مبلغ من حساب الى حساب آخر عن طريق إجراء قيد في الحسابين، وهي تغني عن استخدام النقود، وتحقق السرعة المتطلبة في المعاملات التجارية، وبالتالي يثار التساؤل عن ماهية التحويل البنكي(المطلب الأول) وإجراءاته القانونية (المطلب الثاني).
المطلب الأول: ماهية التحويل البنكي وتمييزه عن غيره من النظم المشابهة
سنتطرق في هذا المطلب إلى مفهوم التحويل البنكي (الفقرة الأولى)، ثم سنعرج للحديث في (الفقرة الثانية عن تمييز التحويل البنكي عن النظم ووسائل الأداء المشابهة نظرا لضرورة تحديد كافة العناصر التي تميزه عن ما يشابهه
الفقرة الأولى: مفهوم التحويل البنكي
يعتبر التحويل البنكي خدمة بنكية، ترتكز أساسا على نقل نقود من حساب بنكي إلى حساب آخر، ويمكن تعريفه بأنه عملية مصرفية، بمقتضاها يقيد البنك مبلغا معينا في الجانب المدين لحساب عميل، ويقيد ذات المبلغ في الجانب الدائن لحساب عميل آخر ، أو بعبارة أخرى نقل مبلغ من حساب لحساب آخر بمجرد قيود في الحسابين، وقد يكون الطرفان عميلين لبنكين مختلفين، حيث يقوم بنك أحد الطرفين بالقيد في الجانب المدين لحساب عميله، ويقوم بنك الطرف الآخر بالقيد في الجانب الدائن لحسابه.
نظم المشرع المغربي التحويل البنكي في مدونة التجارة في المواد من 519 إلى 523، حيث عرفه في الفقرة الأولى من المادة 519 بما يلي : " التحويل عملية بنكية يتم بمقتضاها إنقاص حساب المودع، بناءا على أمره الكتابي بقدر مبلغ مقيد في حساب آخر".
ويتبين من التعريف أعلاه، أن جوهر عملية التحويل البنكي هو عبارة عن إجراء حسابي يتعلق بثلاثة أطراف البنك عميله الأمر بالتحويل و المستفيد من التحويل.
حيث يقوم البنك بموجب هذه العملية، بتحويل مبلغ من حساب الأمر بالتحويل، وذلك بقيد هذا المبلغ في الجانب المدين من حسابه، وينقله إلى حساب شخص آخر (المستفيد)، عن طريق قيد هذا المبلغ في الجانب الدائن من حساب المستفيد.
كما قد تتم عملية التحويل بين حسابات مختلفة لشخص واحد، أي لنفس العميل لدى نفس المؤسسة البنكية أو لدى مؤسستين مختلفتين، وعلى كل حال فإن التحويل البنكي عملية تنطوي على فائدة مؤكدة، ذلك أن مناطها هو نقل الحقوق المالية المقيدة في حسابات بنكية وليس النقود ذاتها.
وقد عرفه أحمد محمد محرز بكونه "عملية بمقتضاها يتم إخراج مبلغ من حساب الأمرونقله إلى حساب آخر لنفس الأمر أو لشخص آخر لدى ذات البنك أو لدى بنك أخر ".
الفقرة الثانية: تمييز التحويل البنكي عن النظم المشابهة له
توجد العديد من الوسائل التي يتم من خلالها الوفاء بالإلتزامات إلى جانب التحويل البنكي،ومنها على سبيل المثال الإشعار بالاقتطاع الحوالة البنكية، الشيك، وعليه سنحاول تبيان ذلك من خلال ما يلي:
أ- تمييز التحويل البنكي عن الإشعار بالاقتطاع :
يعتبر كل من التحويل والإشعار بالاقتطاع خدمة بنكية ترتكز أساسا على نقل النقود من حساب بنكي إلى حساب آخر، وقد نظم المشرع المغربي التحويل البنكي في المواد من 519 إلى 523 من مدونة التجارة ، في حين لم يفرد أي ترسانة قانونية خاصة للإشعار بالاقتطاع، وبذلك فهو يخضع للمقتضيات الواردة في المواد من 329 إلى 333 من المدونة نفسها، بالإضافة إلى كون التحويل يتم في صورته الغالبة في شكل عملية انفرادية أو منفردة، في حين أن الإشعار بالاقتطاع يتم في الأصل لتسوية المعاملات التي يهيمن فيها عنصر الاستمرارية والتكرار.
نخلص إلى أن الإشعار بالاقتطاع يتم في العمليات المتكررة والمستمرة ، حيث لا يجب على الأمر أن يعطي أمرا لبنكه من أجل الاقتطاع، بل يكفي تعيين المستفيد لتتحول إليه مبالغ في كل تاريخ معين من طرفه ، على عكس التحويل البنكي الذي يجب على الأمر أن يحدد فيه المستفيد في كل مرة يريد فيها تحويل مبلغ من المال، بحيث لا يمكن للبنك أن يحول مبلغا من المال من تلقاء نفسه بناءا على أمر بتحويل سابق إلا بإذن صريح منه .
ب تمييز التحويل البنكي عن الحوالة البنكية :
تعتبر الحوالة البنكية أداة لنقل النقود ، شأنها في ذلك شأن التحويل البنكي كما يعتبران من الخدمات البنكية التي تتطلب تدخل مؤسسة بنكية ، إلا أنهما يختلفان في كون الحوالة البنكية تتطلب لإجرائها أن يدفع الأمر المبالغ المراد تحويلها، وتنتهي بتسلمها في يد المستفيد بمعنى أن المبلغ المطلوب نقله لا يدخل في حساب الأمر ثم يخرج منه ليدخل حساب المستفيد
فالحوالة البنكية هي نقل نقود عن طريق التسليم النقدي من شخص ما لشخص آخر، بواسطة البنك مقابل عمولة على حسب المبلغ، وهذا على خلاف التحويل البنكي الذي يتطلب لزوما وجود حسابين بنكيين .
كما يستدعي تنفيد الحوالة البنكية ، حضور الأمر أو ممثله القانوني لدى المؤسسة البنكية لمباشرة تنفيذ الحوالة من خلال إحضاره للمبلغ ، في حين لا يتطلب التحويل البنكي مثل هذه الإجراءات.
ج تمييز التحويل البنكي عن الشيك :
يعتبر الشيك نوعا من الأوراق التجارية، وقد تناول المشرع المغربي أحكامه في الكتاب الثالث من مدونة التجارة ضمن المواد من 239 إلى 328 ، و رغم أن الشيك والتحويل البنكي يشتركان ويرتبطان بالمؤسسة البنكية (إذ لا يمكن دفع المبلغ أو الوفاء بموجب أي منهما إلا عن طريق البنك) إلا أن هناك مظاهر اختلاف أهمها ؛ أن المشرع المغربي لم يلزم إفراغه في شكل خاص وإن كان التعامل البنكي يسهل هذه العملية بوضع نموذج لأمر التحويل، كماهو الأمر في تنظيم الشيك.
حيث يجب أن يتضمن بيانات جوهرية إلزامية يحددها القانون ، وإلا انتفت عنه صفة الشيك وأصبح سندا عاديا ، ولا يعتبر نقص الرصيد أو انعدامه في التحويل البنكي جريمة كما هو الأمر في الشيك من دون مؤونة ، لكون هذا الأخير مستحق الوفاء بمجرد الاطلاع حسب المادة 267 من م ت ، و إن كان يمكن للمصرف أن لا ينفذ عملية التحويل .
اقرأ أيضا :
• عرض بعنوان : التأمين الإجباري الأساسي عن المرض: موارده وتنظيمه المالي.
• عرض الماستر بعنوان : نزاعات الشغل الجماعية.* رابط تحميل وقراءة العرض في الأسفل *
• عرض الماستر بعنوان : نزاعات الشغل الجماعية.
المطلب الثاني: شروط إصدار الأمر بالتحويل
إن إصدار الأمر بالتحويل من طرف العميل هو الاجراء الاول والأساس الذي تستند إليه عملية التحويل، ويستلزم لصحة هذا الامر تحقق أكارن موضوعية وهو ما سنتطرق إليه في (الفقرة الأولى)، كما يشترط المشرع المغربي توفر شكلا معينا فيه (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : الشروط الموضوعية (العامة و الخاصة)
يعد الأمر بالتحويل تصرف قانوني إرادي، يشترط لصدوره توافر شروط موضوعية عامة لصحة أي تصرف قانوني، إضافة إلى شروط موضوعية خاصة استلزمتها خصوصية هذه العملية.
حدد المشرع المغربي في الفصل الثاني من ظهير الالتزامات والعقود ، الشروط الموضوعية التي يجب توفرها لصحة أي تصرف قانوني، وتتمثل فيما يلي :
أ- الأهلية :
لا يمكن تنفيذ التحويل البنكي إلا إذا توفرت في الزبون الأمر بالتحويل الأهلية اللازمة حين إصدار الأمر بالتحويل ، وذلك ببلوغه سن الرشد القانوني المحدد في 18 سنة طبقا لمقتضى المادة 209 من مدونة الأسرة ، وبصفة عامة كل شخص بلغ سن الرشد القانوني ولم يعتريه أي عارض من عوارض الأهلية ، يمكنه أن يفتح حسابا له في أي بنك يختاره ، كما يمكنه إجراء مختلف العمليات على هذا الحساب ومنها التحويل البنكي
ويرى بعض الفقه أن كمال الأهلية يشترط في الأمر أو المستفيد عند فتح الحساب لدى البنك ، فماذا عن القاصر ؟ هل له الحق في إجراء عملية التحويل ؟
فعموما أهلية التحويل البنكي هي نفسها أهلية فتح الحساب البنكي، فمن له الحق في فتح الحساب البنكي له الحق في تحريكه بتحويل مالا للغير ، وبالتالي فمادام أن المشرع أعطى للقاصر إمكانية فتح حساب بنكي وبالتالي يمكن له القيام بمختلف العمليات التي تتم عبره.
بالرضا :
يشترط لتنفيذ التحويل البنكي تراضي أطرافه ، فالأمر بالتحويل ما هو إلا تعبيرعن إرادة مصدره العميل الأمر بتحويل مبلغ من حسابه إلى حساب آخر (المستفيد) ، وحتى يكون الرضا صحيحا لابد من خلوه من عيوب الإرادة المنصوص عليها بالقانون المدني وهي ؛ الغلط ، التدليس ، الإكراه ، الغبن.
ج- المحل :
أكدت المادة 519 من مدونة التجارة على كون التحويل البنكي يجب أن ينصب على نقل مبلغ نقدي ليس إلا ، الأمر الذي يخالف وجهة نظر جانب من الفقه الفرنسي الذي يرى بأن التحويل يمكن أن يرد على نقود أو على منتجات مالية أخرى كالأوراق والسندات المالية ). ومما يلاحظ على المشرع المغربي في هذا المضمار ، أنه قد حسم بكيفية صريحة ما كان مثار جدل لدى الفقه والقضاء حول موضوع عملية التحويل البنكي ، والشكل الذي ينبغي أن يصدر فيه أمر هذا التحويل
د- السبب :
إن السبب في أمر التحويل هو الغاية التي يقصدها الأطراف من هذا الأمر، فقد يكون السبب فيه إيفاء دين ، أو هبة أو ثمن بيع ، أو أي اتفاق سابق بين المتعاقدين ، يستلزم نقل النقود من أحدهما إلى الآخر عن طريق التحويل البنكي.
ويجب أن يكون السبب مشروعا ، وإن كانت الأبناك لا تهتم بذكر السبب في أمر التحويل، وفي كل الأحوال لايلزم البنك بالتحري عن السبب ، لأن القانون يفترض بأن لكل التزام سبب موجود ومشروع ما لم يقم الدليل على خلاف ذلك .