عرض الماسترتحت موضوع : التأمين التكافلي
مقدمة :
يعتبر التأمين ضرورة ملحة في حياتنا اليومية و عصرنا هذا، نظرا لاتساع دائرة المعاملات بين الأفراد و أيضا نتيجة بروز العديد من المخاطر بفعل التقدم التكنولوجي، فهو بذلك من العقود الحديثة، هذا وقد تعددت و اختلفت التقسيمات التي طالت عملية التأمين عموما وذلك باختلاف الزاوية التي ينظر منها إليه وباستحضار كذلك البعد الشرعي في عقد التأمين، فبعد الخلاف الذي عرفه التأمين التجاري، من كونه عقد غرر ومقامرة بامتياز وفيه أكل لأموال الناس بالباطل...
وإذا كان هذا العقد لم يكن موجودا بهذه الصورة في العصور السالفة وإنما حدث لأول مرة في القرن السابع عشر ميلادي ولم يعرف في البلاد الاسلامية إلا منذ القرن الثالث عشر هجري، فقد اختلف الفقهاء منذ ذلك اليوم في شرعية هذا العقد، واختلفوا في ذلك إلى ثلاثة فرق منهم من قال بإباحته ، ومنهم من حرمه مطلقا . ومنهم من أجاز بعضه وحرم بعضه5 فأجازوا التأمين التعاضدي والتأمين التكافلي وحرموا التأمين ذي القسط الثابت أو التجاري.
إن التأمين التكافلي يعتبر أحد أعمدة الاقتصاد الاسلامي الأساسية، وذلك لمواجهة المخاطر بكل أنواعها والتي تعترض كل عملية استثمارية من إبرام الصفقة إلى التسليم، وتزيد أهميته وتنقص بحسب السلع وأحوال تداولها بين البائع والمشتري، ومسافة الفصل وطريقة التسديد وغيرها من العوامل التي تعتري عمليات الاستثمارية بأنواعها المختلفة.
فموضوعنا هذا يستمد أهميته انطلاقا من كون عمليات المصاريف الإسلامية تبنى أساسا على الاستثمار، لذلك فإنها تكون أحوج إلى تأمين ممتلكاتها من أموال وعقارات وعروض التجارة وغيرها، وحتى في حالة عدم وجود التأمين التكافلي فقد رخَصَّ العلماء على قدر الضرورة- لهذه المصارف اللجوء إلى شركات التأمين التجاري من أجل هذا الغرض رفعا للمشقة؛ ولكن الأمر يبدو في بلدنا المغرب مغايرا لما يجري في الدول الأخرى بهذا الخصوص، ولعل المتتبع يلاحظ بجلاء هذا الأمر ويتساءل عن سبب غياب عقد التأمين في المعاملات الحالية للبنوك التشاركية بالمغرب بخصوص المرابحة في العقار، ويكتفي البنك بتقديم تعهد للزبون من أجل إمضائه على أساس الانخراط في التأمين التكافلي عند شروعه في تقديم خدماته مستقبلا بالمغرب.
وإذا كان للتأمين في العصر الحديث هذه الأهمية البالغة في اتساع التجارة والصناعة، وهذا الدور الهام في كل مجالات الاقتصاد العالمي الذي أصبح يشمل جميع أوجه النشاط الاقتصادي فهل يستطيع التأمين التكافلي كما أجازه فقهاء الشريعة الإسلامية أن يحل محل التأمين التجاري؟
هذا السؤال الذي تتفرع عنه مجموعة من الأسئلة تساعد على تحليله وتفكيكه والإجابة عليه من قبيل المقصود بالتأمين التكافلي بداية؟ ومدى مطابقته لأحكام الشريعة الاسلامية؟ وهل يمكن فصله على التأمين التجاري ذي القسط الثابت نظرا لاتحاد القواعد الإحصائية والفنية؟ وهل يهدف حقيقة إلى توزيع الخسارة وليس الربح؟
إن الإجابة عن هذا السؤال تقتضي منا تقسيمه إلى مبحثين وفق العناوين الآتية:
المبحث الثاني : خصوصية التأمين التكافلي
* رابط تحميل وقراءة العرض في الأسفل *
اقرأ أيضا :
• عرض حول موضوع :حماية المستهلك في التجارة الإلكترونية.
المبحث الأول : ماهية التأمين التكافلي
إن الحديث في هذا المبحث ينصب على الإطار العام لعقد التأمين التكافلي ببيان مفهومه، وذكر الخاصية التي تميزه عن غيره من التأمينات لنختم هذا المبحث بالحديث عن مشروعية عقد التأمين التكافلي ثم أركانه.
المطلب الأول : التعريف والخاصية التي تميز عقد التأمين التكافلي
تعريف التأمين عموما وسيلة لتصوره وتصور صلته بما يتفرع عنه ويشترك معه، وليس المقصود به مجرد الاقتصار على إيراد حده، أو رسمه التام أو الناقص، بل كل ما يوضحه ويعين على تمييزه، ولذا سيكون الحديث هنا عن التعريف والخاصية التي تطبع عقد التأمين التكافلي (الفقرة الأولى ثم تمييزه عن باقي النظم المشابهة (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى تعريف التأمين التكافلي وخصيصته
أولا: التعريف
الكلمة من مرادفين، التأمين و التكافل:
التعريف اللغوي للتأمين وقد عرفه الراغب الأصفهاني: " طمأنينة النفس وزوال الخوف، والأمن والأمانة والأمان في الأصل مصادر "
ثم التكافل: اتَّفقا على التَّكَافُلِ : ضمانُ، كَفَالَةُ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ.
وفي التعريف الاصطلاحي: التأمين الإسلامي هو اتفاق أشخاص يتعرضون لأخطار معينة على تلافي الأضرار الناشئة عن هذه الأخطار، وذلك بدفع اشتراكات على أساس الالتزام
بالتبرع، ويتكون من ذلك صندوق تأمين له حكم الشخصية الاعتبارية، وله ذمة مالية مستقلة، (صندوق) يتم منه التعويض عن الأضرار التي تلحق أحد المشتركين من جراء وقوع الأخطار المؤمن منها، وذلك طبقا للوائح والوثائق . تشرف على إدارة هذا الصندوق هيئة مختارة من أصحاب الخبرة، أو يُمكن أن تديره شركة مساهمة مقابل أجر، والتي تقوم بإدارة أعمال التأمين واستثمار أصول الصندوق.
وقد عرفه المشرع من خلال القانون 59.13 بما نصه "التأمين التكافلي: عملية تأمين تتم وفق الآراء بالمطابقة الصادرة عن المجلس العلمي الأعلى المنصوص عليه في الظهير الشريف «رقم 300.03.1 الصادر في 02 ربيع األول 1425 22 أبريل 2004 ) بإعادة «تنظيم المجالس العلمية، بهدف تغطية الأخطار المنصوص عليها في عقد التأمين التكافلي بواسطة حساب التأمين التكافلي يسير، مقابل أجره التسيير من طرف مقاولة للتأمين وإعادة
التأمين معتمدة لمزاولة « عمليات التأمين التكافلي. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يترتب «قبض أو أداء أي فائدة على عمليات التأمين التكافلي وعلى نشاط «تسيير حساب التأمين التكافلي من لدن مقاولة للتأمين وإعادة التأمين."
ثانيا : خصيصة التأمين التكافلي
ارتأينا في هذه الفقرة تبني خصيصة واحدة تصلح لأن تكون حدا لتمييز عقد التأمين التكافلي عن باقي النظم المشابهة، ألا وهي كونه تأمين شرعي يستوفي للمعايير الشرعية على
ضوء ما سنوضحه باعتباره قائم على التبرع وليس الربح ، وكذا تعيين هيئة رقابة شرعية تكون فتاواها ملزمة للشركة ، ووجود إدارة رقابة وتدقيق شرعي داخلي. تدفع عن هذا الصنف من التأمين كل ما من شأنه أن يحيد به عن شرعيته من قبيل الغرر والربا وأكل أموال الناس بالباطل...
الفقرة الثانية: تمييز التأمين التكافلي عن التأمين التجاري
استنادا إلى الخاصية السابقة يمكن استشفاف مجموعة من الفروق بين التأمين التكافلي و التأمين التجاري ذي القسط الثابت:
-عقد التأمين التجاري من عقود المعاوضات، بينما عقد التأمين التكافلي من عقود التبرع. استقلال المؤمن لهم عن بعضهم البعض في التأمين التجاري، بخلاف التأمين التكافلي فكل مكتتب هو مؤمن ومؤمن له في نفس الوقت.
- هدف شركة التأمين التجاري هو الربح - لكونها شركة مساهمة- عكس صندوق التأمين التكافلي الذي يسعى إلى تحقيق التعاون والتكافل بين المؤمن لهم.
- الفائض في التأمين التجاري يكون ربحا يعود لشركة التأمين، أما الفائض في شركة التأمين التكافلي فيعود على المؤمن لهم، إما باستثماره أو بتخفيض الاشتراكات المستقبلية....
- يفصل في التأمين التكافلي بين حساب المستأمنين وبين حساب الشركة. أما في التأمين التجاري، فإن الأقساط تصبح في ملك الشركة بعد توقيع العقد لحسابها.
- المعاوضة في التأمين التجاري تقتضي ربح أحد الطرفين على حساب الآخر، فهي معاوضة تتضمن ربح أحد الطرفين مقابل خسارة الآخر، وهذا من باب أكل أموال الناس بالباطل. أما في التأمين التكافلي، فإن صفة التبرع والتعاون تقتضي صرف التعويض من مساهمات المستأمنين، فإذا لم يف المبلغ بالمطلوب، طلب منهم مساهمات إضافية لتغطية العجز الحاصل، وإذا تعذر لم يقع التعويض، لأنه ليس هناك التزام تعاقدي بضرورة التعويض.